دساتير الجزائر للحفاظ على "توازن مصالح أشخاص"
الخبر
نشر في ألجيريا برس أونلاين يوم 07 - 02 - 2016
أول دستور عرفته الجزائر كان بعد الاستقلال مباشرة، وتحديدا في 1963 ودعا إليه الرئيس أحمد بن بلة آنذاك. بعدها توالت الدساتير وتعديلاتها، وكانت في أغلبها إما عاكسة لنظرة أحادية للشخص القوي في فترة معينة، أو عاكسة لتوازن مصالح النافذين في مركز القرار، واتخذت مطية لإعادة ترتيب الأوراق وفق مقتضيات المرحلة.
ومن ميزات دستور 1963 أنه قرر اعتماد الاشتراكية كخيار سياسي واشتراكي، واتخذ من الاتحاد السوفياتي سابقا والصين، مصدر إلهام في هذا الجانب. ووضع دستور 1963 كل السلطات بين يدي رئيس الجمهورية، الذي خرج من حرب التحرير متمتعا ب"الشرعية الثورية".
وجاء الدستور الثاني، 1976، بعد 11 سنة من الانقلاب العسكري الذي نفذه وزير الدفاع هواري بومدين. وقد كرس النص الجديد الخيار الاشتراكي، مع التأكيد على إحداث "ثورة صناعية وزراعية" على الطريقة الصينية. وركز بومدين بين يديه سلطات كبيرة في دستور 1976، اتخذها غطاء لإبعاد خصومه السياسيين وفي إدخال بعضهم السجن مثل الإسلامي محفوظ نحناح، الذي كان من أبرز معارضي الدستور. ويعتبر الرئيس عبد العزيز بوتفليقة من بين المساهمين في وضع دستور بومدين. وتقريبا كل الدساتير، من أولها إلى التعديل الذي جرى في 2008، كانت لمسة "خبير النظام القانوني"، محمد بجاوي، طاغية عليها.
وفي 1989 أجرى الرئيس الشاذلي بن جديد استفتاء لتعديل الدستور، بعد أحداث 5 أكتوبر 1988 التي على أساسها تم اتخاذ قرار مراجعة القانون الأساسي للدولة، وبدعوى أن الشعب يتوق للتعددية. وقد كان النظام يومها مضطرا إلى توزيع جديد للأدوار بين أقطابه، حتى يحقق الاستمرار. ولأول مرة فقد "الحزب الدولة جبهة التحرير الوطني السيطرة على المشهد السياسي، باعتماد أحزاب جديدة كان أقواها على الإطلاق، الجبهة الإسلامية للإنقاذ التي وصلت إلى عتبة الحكم في انتخابات البرلمان لعام 1991، لكن الجيش تدخل لإلغاء نتائجها، وتم حل الجبهة بقرار قضائي. وبفضل دستور التعددية خرجت جبهة القوى الاشتراكية إلى العلن، بعد فترة طويلة من النشاط السري. وقبل دستور 23 فبراير 1989، كان الشاذلي أدخل تعديلا على الدستور، سمح بخروج الجيش من اللجنة المركزية للأفالان.
وفي 1995 قدر الرئيس الجنرال اليمين زروال أن دستور 1989 تسبب في انحراف المسار الديمقراطي، بحجة أن الفيس استغل مناخ الحرية الجديد لقتل الديمقراطية، فقرر تعديله في العام الموالي. ومن أهم ما جاءت به الوثيقة، منع تأسيس أحزاب على أساس ديني أو عرقي. وتعرضت عدة أحزاب للحل، لوقوعها تحت طائلة هذه المحظورات. غير أن أبرز الأشياء المستحدثة في هذا الدستور، تحديد الترشح للرئاسة بفترة واحدة قابلة للتجديد مرة واحدة.
وشهد ما يعرف ب"دستور زروال" تعطيلا، بوصول عبد العزيز بوتفليقة إلى الحكم. وأبرز مظاهر التعطيل، منع تأسيس أحزاب وغلق وسائل الإعلام الثقيلة على المعارضة، وفرض قيود على الصحافة الخاصة.
وفي 2002، أدخل بوتفليقة تعديلا وحيدا على الدستور، أصبحت الأمازيغية بموجبه لغة وطنية. كان ذلك من إفرازات أحداث منطقة القبائل عام 2001، التي خلفت مقتل أكثر من 100 شخص، غالبيتهم مدنيون. وقبل هذا التعديل بعامين، صرح بوتفليقة برفضه دسترة الأمازيغية، واشترط أن يمر ذلك عبر الاستفتاء الشعبي. لكن بعد هذا التعديل، عزف بوتفليقة عن الاستفتاء في مناسبتين، شهد فيهما الدستور تحويرات عميقة.
التعديل الثاني في فترة حكم بوتفليقة، كان في 2008. أبرز ما فيه كسر ما يمنع الترشح للرئاسة لأكثر من عهدتين. أما بقية "التغييرات" فكانت مجرد حواش، مثل توسيع المشاركة السياسية للمرأة وحماية رموز الثورة. عشية ذلك التعديل، برر الرئيس في خطاب أمام القضاة، تغيير المادة 74 بما يلي: "إن الشعب يملك الحق في ممارسة حقه المشروع في اختيار من يقود مصيره، وأن يجدد الثقة فيه بكل سيادة. إن التداول الحقيقي على السلطة ينبثق عن الاختيار الحر الذي يقرره الشعب بنفسه، عندما تتم استشارته بكل ديمقراطية وشفافية في انتخابات حرة تعددية.. إذن للشعب والشعب وحده تعود سلطة القرار".
رأي المجلس الدستوري يومها كان: "يمكن للشعب أن يجدد الثقة في من يقود مصيره بكل سيادة، والسير العادي للنظام الديمقراطي يقتضي بأن الحائز على ولاية رئاسية ملزم بأن يعيدها عند انقضائها إلى الشعب، الذي يقرر بكل حرية تجديد الثقة في رئيس الجمهورية أو سحبها منه".
في التعديل الجديد الذي يصوت عليه البرلمان اليوم، برر بوتفليقة العودة إلى دستور 1996 فيما يخص تقييد العهدات، كما يلي: "إن التداول الديمقراطي عبر الاقتراع العام سيدعم بالتأكيد على إعادة انتخاب رئيس الجمهورية مرة واحدة فقط". وقرر بوتفليقة بموجب بند إضافي، حرمان أي رئيس يأتي بعده من إحداث تغيير في المادة 74.