فيفي Admin
عدد المساهمات : 795 تاريخ التسجيل : 24/01/2016
| موضوع: شهرُ القُرآن الخميس يونيو 23, 2016 3:21 pm | |
| شهرُ القُرآنإن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهدِه الله فهو المهتدِ، ومَن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أما بعد:فالحمد لله الذي أكرمنا بشهر الصيام والقُرْآن، القُرْآن الذي هو الآية الخالدة على مر الأزمان، القُرْآن الذي جعله الله ربيعًا للقلوب المؤمنة المطمئنة، ولقد كان مِن دعائه المأثور عنه صلى الله عليه وسلم الذي كان يعلِّمه أصحابه: ((أن تجعل القُرْآن ربيعَ قلبي، ونور صدري، وجِلاء حزني، وذَهابَ همي))[1].لقد أنزل الله سبحانه وتعالى القُرْآن الكريم على محمد صلى الله عليه وسلم، واقتضت حكمته أن ينزله في أعظم الأزمان، وأشرف الشهور، وأفضل الليالي، وأنزل الله فيه من الوعد والوعيد ما تنفطر له القلوبُ وما تطمئن، وما ترتعش له الجلود وما تلين، وما ترتجف له الفرائص والأبدان وما تستكين؛ كما قال سبحانه وتعالى: ﴿ اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ﴾ [الزمر: 23]، وقال عن أهل العلم بكتابه في سورة الإسراء: ﴿ قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا * وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا * وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا ﴾ [الإسراء: 107 - 109].روى أحمدُ وأبو داود والنسائي عن الصحابي الجليل عبدالله بن الشخير رضي الله عنه قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وفي صدره أزيزٌ كأزيز الرَّحى مِن البكاء)، وفي رواية: (ولجوفه أزيزٌ كأزيز المِرْجَل)[2]، والمِرْجَل: الإناء الذي يُغْلى فيه الماء، ويقال: ائتزَّتِ القِدر: إذا اشتَدَّ غليانها.كيف لا يكونُ ذلك، والله تعالى يقول عن كتابه الحكيم: ﴿ لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الحشر: 21]؟! فلو أن هذا القُرْآن أنزله الله على الجبال الصمِّ الرواسي، لتصدَّعَتْ وتشقَّقَتْ، فكيف بقلوب المؤمنين الخاشعين، وفي كتاب الله ما فيه من آيات الوعد والوعيد، وضرب الأمثال وقصص السابقين؟! قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ﴾ [الزمر: 27]، وقال: ﴿ وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [هود: 120]، وقال: ﴿ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ ﴾ [ق: 45].إخواني الصائمين، إن مِن الناس مَن يأخذهم الاندفاعُ إلى الطاعة، ولكن بغير فقه ولا اتباع، فتجدهم يُسرعون في قراءة القُرْآن، حتى إن أحدهم يُسقط منه الحرف والحرفين، إن لم يتجاوز الآية بأكملها؛ لأن كل همه هو أن يختم القُرْآن في مدة قصيرة، وأن يعُدَّ في هذا الشهر الكريم ختمة أو عَشْر ختمات له، في حين أنه لم يفقه ولم يتدبر ولم يتفكر ما يقرؤه ويتلوه، مع أن المغزى الأول من القراءة هو انتفاع القلب بالقراءة، والعمل والاتباع، والتأثر بها؛ ليُترجم المسلمُ القُرْآن إلى سلوك عمَلي ومنهج حركي، لا أن يبقى لتزيين السيارات أو الجدران، أو المباهاة بحفظه أو بقراءته؛ فإن مَن كانت هذه حالَه مع القُرْآن فقد اشتغَل بالوسيلة عن الغاية والمقصود،فعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: (لأن أقرأَ البقرةَ أُرتِّلُها: أحبُّ إليَّ مِن أن أقرأ القُرْآن كله)[3]، وقد ثبت نهيُهم رضي الله عنهم عن الاستعجال والتسرع في تلاوته؛ كما وقع مع ابن مسعود رضي الله عنه: أن رجلًا قال له: إني لأقرأ المفصل في ركعة، فقال عبدالله: (هذًّا كهَذِّ الشِّعر؛ إن أقوامًا يقرَؤون القُرْآنَ لا يجاوز تراقيهم، ولكن إذا وقَع في القلب فرسَخ فيه، نفَع)[4].أيها الإخوة الصائمون، لقد كان الصحابة والسلف الصالح يتابعون رسول الله صلى الله عليه وسلم في كيفية قراءته لكتاب الله؛ لذلك لما جاء ذلك الرجل ليباهيَ بأنه يقرأُ المفصل - وهو مِن سورة ق إلى سورة الناس - في ركعة واحدة، عاتَبه ابن مسعود، وأرشَده إلى سنَّة النبي صلى الله عليه وسلم في قراءة المفصَّل، فقال له: (إنا قد سمعنا القراءة، وإني لأحفظ القُرناء التي كان يقرأُ بهن النبي صلى الله عليه وسلم، ثماني عشرة سورة من المُفصل، وسورتين مِن آل حم)[5].وما هذا إلا امتثال لأمر الله تعالى في قوله: ﴿ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا ﴾ [المزمل: 4]، وقوله تعالى: ﴿ وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا ﴾ [الإسراء: 106].ومِن أجلِ التدبُّر والتفكُّر فقد كان مِن هَدْيِه صلى الله عليه وسلم أن يقرأ الآية الواحدة يكررها حتى الصباح! لا يتجاوزها إلى غيرها ليتدبر ما فيها؛ كما روى ذلك النسائيُّ وابن ماجه عن أبي ذر الغِفَاريِّ رضي الله عنه: (قام النبي صلى الله عليه وسلم بآية يردِّدها حتى أصبح: ﴿ إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [المائدة: 118]).وعن عبَّاد بن حمزة قال: (دخلتُ على أسماء رضي الله عنها وهي تقرأ: ﴿ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ ﴾ [الطور: 27]، قال: فوقفتُ عندها، فجعلَتْ تُعيدها وتدعو، فطال عليَّ ذلك، فذهبت إلى السوق فقضيتُ حاجتي، ثم رجعتُ وهي تعيدها وتدعو).وقد ذكرت في لقاء سابق شيئًا مِن آداب التلاوة التي تؤتي القارئ ثمرة التلاوة، وأزيد عليها اليوم أيضًا مما ذكره العلماء رحمهم الله مِن الآداب ما يأتي:1- أن يحرص على نظافة ثوبه؛ لقول الله تعالى: ﴿ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ ﴾ [المدثر: 4].2- وأن يقرأَ بترتيب المصحف من أوله إلى آخره، إلا أنه جائزٌ لتعليم الصِّبية القراءة مِن آخر المصحف لأوله؛ ترغيبًا في حفظ السور القصيرة، ولسهولة مراجعتها.3- ويقرأ قاعدًا وماشيًا وقائمًا، وعلى جنبه؛ لقول الله تعالى: ﴿ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ ﴾ [النساء: 103].4- إذا سمِع المؤذِّنَ، قطَع قراءته، وتابَع المؤذن في النداء؛ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((إذا سمعتم النداء، فقولوا مِثلَ ما يقول المؤذنُ))[6].5- وأن يزيِّنَ القُرْآن بصوته، ويحسِّن صوتَه قدر ما استطاع، ولا يكون مفرطًا ولا مقصرًا؛ عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن مِن أحسنِ الناس صوتًا بالقُرْآن: الذي إذا سمعتموه يقرأُ حسِبتموه يخشَى اللهَ))[7].فيا له مِن شهر مبارك، مليءٍ بالفضائل والنفحات، اصطفاه الله مِن بين اثني عشر شهرًا في العام ليكون محِلًّا لتنزُّلِ كلماته وآياته، وعلى مدار تاريخ النبوات والرسالات، مِن لدُنْ آدمَ إلى خاتم الأنبياء.والحمد لله ربِّ العالمينوصلَّى الله وسلَّم على نبينا وعلى آلِه وأصحابِه أجمعينرابط الموضوع: http://www.alukah.net/spotlight/0/104356/#ixzz4CPcndYIx | |
|