بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين:
أيها الأخوة الكرام:
آية البارحة:
﴿ سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلَانِ (31)﴾
الثقلان هم الإنس والجن ، وحينما قال الله عز وجل:
﴿ إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا ﴾
( سورة الأحزاب: 72 )
الخلائق على أصناف ثلاث ، أو على أصناف أربعة ، جمادات وحيوانات ، وملائكة ، وبشر.
فالبشر: ركبوا من عقل وشهوة.
والملائكة: ركبوا من عقل بلا شهوة.
والحيوانات: ركبوا من شهوة بلا عقل.
فالحيوان غير مكلف ، مع أنه يعيش لشهوته لكن دون أن يؤذي أحداً.
والملك غير مكلف ، مع أنه اختار تسبيح الله عز وجل.
إلا أن الإنسان في نفخة من روح الله ، وقبضة من تراب الأرض ، ففيه شهوات ، وفيه عقل ، فإن سمى عقله على شهوته أصبح فوق الملائكة ، وأن سمت شهوته على عقله أصبح دون الحيوان والإنسان ما في حل وسط ، والدليل قوله تعالى:
﴿ إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية﴾
( سورة البينة: 7 )
أي خير ما برء الله ،
﴿ إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها أولئك هم شر البرية ﴾
( سورة البينة: 6 )
فالإنسان يتأرجح بين أن يكون فوق الملائكة ، وبين أن يكون دون الحيوان ، إذا غلبت شهواته على عقله كان دون الحيوان ، وإذا سمى عقله على شهوته كان فوق الملائكة ، لأن الملائكة ما في عندهم شهوات يصترعون معها ، والحيوانات ما في عندهم عقل يحتكمون إليه فالحيوان غير مكلف ، والملك غير مكلف ، الإنسان وحده مكلف ،
﴿ إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان ﴾
( سورة الأحزاب 72 )
تقريباً من باب التوضيح ، أب عرض على أبنائه عرضاً ، لك أن تبقى في المحل ولك معاش ثابت ، وبيت ، وزوجة ، أما إذا أردت أن تطلب العلم ، وأن تأتي بدكتوراه ، أكتب لك خمسمائة فدان ، أو خمسمائة دنم ، عطاء مذهل ، فهذا هذا الابن إذا اختار العطاء الكبير مع الجهد الكبير ، في جهد وفي عطاء ، فإذا ذهب إلى بلاد الغرب ولم يدرس ، وعاد بلا شهادة ، وأمضى الوقت في انحرافات أخلاقية ، كان أخوته الذين أبوا أن يحملوا هذه الأمانة فوقه ، أما إذا عاد كما أراد الأب يحمل هذه الشهادة كان فوقهم ، ما عد في حل وسط.
نحن من بني البشر ، حملنا الأمانة ، فإما أن نكون بها فوق الملائكة ، وإما أن نكون دون الحيوانات.
لذلك قال الله عز وجل:
﴿ سنفرغ لكم أيها الثقلان فبأي آلاء ربكما تكذبان ﴾
من هم الثقلان
﴿ يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان ﴾
الشيء الذي يلفت النظر ، أن الله عز وجل قال:
قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون
﴿ بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا ﴾
( سورة الإسراء: 88 )
بدأ بالإنس ، أما هنا بدأ بالجن ،
﴿ يا معشر الجن والإنس ﴾
قال علماء التفسير: بدأ هنا بالجن لأن الجن هنا أقدر على قطع المسافات، وبدأ هناك بالإنس لأن الإنس أقدر من الجن على صياغة الكلمات.
مثلاً قال تعالى:
﴿ الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة﴾
( سورة النور: 2 )
بدأ بالزانية لأنها سبب الزنى ، تغري الرجال بثيابها ، بمشيتها بكلامها ، بتفلتها ، أما السرقة ، قال:
﴿ والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما ﴾
( سورة المائدة: 38 )
بدأ بالسارق لأنه أقدر من السارقة على السرقة ، وبدأ بالزانية لأنها هي التي تسبب حالة الزنى هنا:
﴿ يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان ﴾
الإنسان كما يدعي المتألهون أنه غزى الفضاء ، والشيء الذي يضحك ، أن الإنسان حينما وصل إلى القمر ، ماذا قطع من أقطار السماوات والأرض ؟ قطع ثانية ضوئيةً واحدة ، ثانية ضوئية ، هذه المركبة أبولو ثمانية ، كلفت أربع وعشرين ألف مليون دولار ، أربع وعشرين ألف مليون دولار ، من أجل أن تتوفر الحياة لشخصين على سطح القمر ، البدلة التي ارتداها الفضائي ثمنها سبعة عشر مليون دولار ، لا يستطيع رائد فضاء أن يخاطب زميله بالهواء ، ما في هواء لأنه ، لابد من جهاز لاسلكي وهو إلى جانبه ، لا يقدر أن يحكي ، فهذه الرحلة كلفت أربع وعشرين ألف مليون ، ماذا قطعوا ؟ وهذا المبلغ أخل بالتوازنات بالعالم المالية يعني كان في سعر ثابت ، تعوم سعر الدولار ، ودفعت الدول المتخلفة والفقيرة أثمان باهظة ، حينما ذهبت هذه الرحلة ، الآن في رحلة أخرى إلى المريخ ، المريخ من أقرب النجوم للأرض ، لو أخذنا أبعد نجم ، أبعد نجم على الإطلاق بالمجموعة الشمسية ثلاث عشرة ساعة ، أقرب كتلة في السماء للأرض هي القمر ثانية ضوئية أبعد نجم المتعلق بالمجموعة الشمسية ثلاث عشرة ساعة ، أقطار السماوات والأرض لا يعلموا إلا الله ، يعني بعض المجرات تبعد عنا ثلاث ألف بليون سنة ضوئية ، وهذه ليست أقطار السماوات والأرض ، يعني من سابع المستحيلات ، أن الإنسان يخرج من المجموعة الشمسية ، وصل للقمر وللمريخ ، والنفقات التي دفعت من أجل هاتين الرحلتين فوق طاقة البشر ،
﴿ يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا ـ ﴾
تنفذوا أي تخترقوا ، القطر الخط الواصل بين طرفين ، هذا القطر ، قطر الدائرة ، قطر الأرض من أقصى مكان باليابسة ، إلى أقصى مكان باليابسة ، من أقصى مكان لأقصى مكان يتعامدان في مكة المكرمة ، مكة المكرمة وسط هندسي للخمس قارات.
فلذلك الله عز وجل يقول:
﴿ فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان﴾
بعضهم قال سلطان العلم ، وبعضهم قال سلطان الله عز وجل ،
﴿ يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران ﴾
المركبة الفضائية حينما تلامس الغلاف الجوي تصبح كتلة من اللهب ، الاحتكاك الغلاف الجوي يجعلها تلتهب ، لذلك محاطة بمادة عازلة تمنع احتراقها ، أمين.
قضية الفضاء علم البشر كلهم ، منذ أن ظهر العلم وحتى الآن ملخص في هذه المركبة ، رياضيات ، فيزياء ، كيمياء ، فلك ، طب زراعة ، كل علوم الأرض مجموعة في هذه المركبة ، من أجل توفير حياة لإنسان يومين أو ثلاثة على سطح أقرب كتلة إلى الأرض وهي القمر ، فهذه أيضاً آية من آيات الله الدالة على عظمته ،
﴿ يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان.﴾
في بالفضاء الخارجي ثقوب سوداء ، ما هو الثقب الأسود ؟ منطقة فيها ضغط عالي ، هل تصدقون أيها الأخوة: أن الأرض إذا دخلت إلى هذا الثقب ، كلام دقيق جداً ، يغدو حجمها كحجم البيضة ، مع الوزن نفسه ، الأرض بكاملها ، والدليل ، أن هناك نجوم من هذه النجوم ، نجم النتروني ، كان حجمه بحجم الشمس دخل ثقباً أسوداً فصار حجمه كحجم القمر ، وفي نجم كان حجمه بحجم الشمس فصار قطره أربعة عشرة ألف كيلو متر فقط ، الأرض لو دخلت إلى هذا الثقب لأصبحت كالبيضة مع الوزن نفسه.
ففي بالفلك حقائق مذهلة ، فالإنسان كيف يعصي الله ؟ هذا الكتاب ،
﴿ تنزيل رب العالمين ﴾
( سورة الشعراء: 192 )
الذي خلق العوالم كلها ، هو الذي نزله على محمد صلى الله عليه وسلم ،
﴿ يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا ﴾
لا تفذون بقدراتكم الذاتية ، لا تنفذون إلا بسلطان. إما هذا سلطان من الله عز وجل، أو إذا أمنتم القوانين التي قننها الله والسنن التي سنها الله ،
﴿ فبأي آلاء ربكما تكذبان ، يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران ، فبأي آلاء ربكما تكذبان ﴾
طبعاً هذه السورة بأكملها تتحدث عن الإنس والجن ، وكيف أن الله سبحانه وتعالى خلق الكون ليكون دليلاً على عظمته وعلى قدرته ، والله جل جلاله يقول:
﴿ الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما ﴾
( سورة الطلاق: 12 )
فصار الكون بمجموعه أوسع باب تدخل منه على الله وأقصر طريق تصل به إلى الله ،
﴿ إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار ﴾
( سورة آل عمران : 190 ـ 191)
بسم الله الرحمن الرحيم ، والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم أعطنا ولا تحرمنا ، وأكرمن ولا تهنا وآثرنا ولا تؤثر علينا ، وأرضنا وأرض عنا وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه أجمعين وسلم..
والحمد لله رب العالمين