بماذا يمكن أن نصف تعديل الدّستور الذي تم التّصويت عليه بالإجماع أمس؟ هل هو إنجاز تاريخي تمّ بفضله ترسيم الأمازيغية وتحديد العُهْدات الرّئاسية وقطع الطريق أمام مزدوجي الجنسية للوصول إلى المناصب السّامية، أم أنّه محطّة أخرى للعبث التّشريعي الذي حقّق إلى الآن الرّقم القياسي العالمي في عدد التّعديلات الدستورية؟
وبماذا يمكن أن نصف ذلك الحشد من النّواب و"السّيناتورات" وهم يرفعون أيديهم دفعة واحدة في تناغم أسطوري للتصويت على تعديلات دستورية ليست محل إجماع تام بين الجزائريين خصوصا بالنسبة للمادة 51 التي يرفضها الحزب العتيد صاحب الأغلبية البرلمانية!
هل هو انتصار للديمقراطية والتعددية والتداول على السلطة من خلال منع الرئيس المقبل للجزائر من الجلوس على كرسي الرئاسة لأكثر من عشر سنوات؟ أم هو محطة فلكلورية أخرى تضاف إلى محطات سابقة تجتمع فيها التّعاونيات الحزبية لإقرار ما أرادته السّلطة من ترتيبات دستورية معينة؟
أين دموع جمال ولد عباس، ولماذا لم تنهمر وهو يرى 500 يد مرفوعة في قصر الشعب؟ أم أنّ غياب عنصر المفاجأة فوّت عليه فرصة الانفعال مع هذه المحطّة التّاريخية؟
واقع الحال أنّ التّعديلات الدّستورية لن تغير شيئا من حال الجزائريين الذين اهتموا خلال الأيام الماضية بالتذبذب في توزيع مادة الحليب أكثر من اهتمامهم بتعديل الدّستور، والذين عبروا عن فرحتهم بالأسعار المعقولة للبطاطا والدّجاج أكثر من فرحتهم بالتّعديل السّابع للدستور!!
لن ينقذ الدستور الجديد الاقتصاد المنهار للبلد، ولن يعيد الروح لقيمة العملة الوطنية التي أصبحت محل تنكيت، وباتت أقرب إلى العملة في زيمبابوي، ولن يوقف الدستور الجديد نهر الفساد الذي يجري ويجرف معه الملايير ويتسبّب في تفقِير الشّعب وتضييعه.
الجميع يعلم أنّ المعضلة في الجزائر هي معضلة لصوص لا نصوص، وأنّ الجزائر لم يكن عندها أسوأ دستور قبل التعديل ولم يعد لها أحسن دستور بعد التعديل، ولا معنى للكلام المبتذل عن العهد الجديد الذي يلوكه المدافعون عن التعديل، لأنهم يدركون في قرارة أنفسهم أنّ الأمر سيان قبل التّعديل وبعده، وإلا فليثبتوا خطأ ما نقول ويطبّقوا إحدى أهم مواده، وهي الحديث بإحدى اللّغتين الرّسميتين، المنصوص عليهما في الدستور لا الحديث بلغة المستعمر التي لا وجود لها في الدّستور.